تعود بدايات النهضة الثفافية في فلسطين إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقد رافق بدايتها عدة عوامل عديدة كان أهمها
تزايد الإهتمام بالتعليم من خلال الإرساليات والمدارس التي فتحت أبوابها للطلبة والمدرسين مما أسهم في دخول المطابع إلى فلسطين وتزايد عدد القراءّ والباحثين عن المعرفة من خلال تأسيس النوادي والجمعيات إنتهاءً بتشيد الطرق والمواصلات وتعمير البنية التحتية وإقامة الموانئ الحديثة، كل ذلك كان له الأثر المباشر في إعادة بناء المجتمع وصياغته وبلورة هويته وثقافته بما يخدم الكل الفلسطيني وليس شريحة بعينها.
لم ترتكز النهضة الثقافية في فلسطين على شاهد واحد بعينه بل كانت تمتد بجذورها إلى كافة أنحاء المجتمع الفلسطيني بدءً من إستقطاب الشعراء والإدباء إلى بناء دور السينما وجّلها كان لها بصمات واضحة وأثر عميق على طبيعة وفلسفة تكونّ وتشكل النخبة الثقافيةالفلسطينية آنذاك.
لقد كانت الصحافة الفلسطينة المكتوبة إحدى الإدوار المهمة التي ساهمت في إستقطاب العديد من الكتاب والشعراء والإدباء والمثقفين والنخب بكل ألوانها للكتابة في الحقول المعرفية المتنوعة والتي أسهمت في إغناء الصحافة الفلسطينة آنذاك بمخزون معرفي وفكري لا مثيل له لاسيما وأنها كانت في بداية نهضتها الفكرية فكانت حريصة على أن تكون كتاباتها ذات جودة قيمية ومعرفية ومن أهم الصحف التي عملت على ذلك صحيفة الشعب، العرب، ولا نغفل المجلات ومن أشهرها النفائس، العصرية وغيرهما.
إن إغناء الوسط الثقافي الفسطيني بمجموعة من الإدباء والكتاب ساهم إلى حٍد ما في بناء جسور من العلاقات الفكرية والأدبية مع دول الجوار فكانت الشقيقة مصر حاضرة بقوة في المنتديات والملتقيات العلمية والفكرية والأدبية، فكانت الصحف المصرية تصل بإستمرار إلى فلسطين لتغني القراءّ والإدباء بمنسوب من الفكر والأدب منها جريدة الإهرام، ومن المجلات الرسالة جلهم ساهموا في إغناء الوسط الإدبي الفلسطيني بتلاقح فكري وأدبي تميز بالإصالة والنوعية الفكرية والتي أمتدت جذورها إلى باقي البلدان العربية الأخرى.
لم تنفصل مسارات الكتابة في عهد النهضة الثقافية في فلسطين عن حركات الترجمة والتي كان لها دور كبير جداً في ترجمة العديد من الفنون والأدب مما ساهم في إغناء الحركة الثقافية الفلسطينية بكتابات كونت لاحقاً منعطفاً مهماُّ في مسار الأدب الفلسطيني ومن أهم رواد الترجمة آنذاك عادل زعيتر، إحسان عباس وغيرهم ممن كانوا رافعة في تاريح حركات الترجمة في فلسطين قبيل النكبة عام 1948م.
إن الإزدهار الكبير الذي رافق حركات الترجمة في فلسطين ساهم في نبوغ العديد من الإدباء وخاصة أدباء الأدب المقارن فكان منهم خليل السكاكيني الذي يعد من أشهر حاملي التجديد والتطور في روح العصر والذي آثار قصايا وموضوعات مهمة منها الكاتب والشاعر الشعر وأنواعه جّلها ساهمت في إضفاء جمالية على مجال الأدب ومريديه والذين براعو لاحقاً في مجالي القصة والرواية فكانت أول رواية هي رواية الوارث التي طبعت في القدس عام 1920 م.
لم يكن الإهتمام بالأدب والترجمة يبعدّ الفلسطيني عن الإعتناء بالشعر وروحه ومضامينه لاسيما وأن الشعر الفلسطيني قبل النكبة حمل موضوعات عديدة وأساليب متنوعة منها الشعر الذي يتحدث عن الجمال والأدب والذوق، إلى جانب ذلك الشعر الذي يحمل على عاتقه روح الإنتماء للوطن وحبه له فكان منهم الشاعران الفلسطيينان اللذان براعا في تلك الفترة هما إبراهيم طوقان والشهيد عبد الرحيم محمود ومازالت قصائدهما حتى يومنا هذا تتصدر الكتب المدرسية والجامعية بكافة مراحلها لما لها من قيمة وطنية وإنسانية في إذكاء روح الإنتماء للوطن الفلسطيني.
ختاماً لما سبق إن إنعكاسات الإدب الفلسطيني برمته ساهمت في بناء دو السينما الفلسطيينة والتي كانت بمثابة رؤى فكرية تعزز الخيال الفلسطيني وتصوراته تجاه واقعه المعاش فكان أول فيلم فلسطيني لإبراهيم سرحان كانت مدته 20 دقيقة عن زيارة الملك عبد العزيز آل سعود لفلسطين وتنقله بين اللد ويافا.
إن قراءة تلك الشواهد الثقافية الفلسطينة قبيل النكبة يبرهن على أن الشعب الفلسطيني قادر على أن يحدث نقلة نوعية في مسارات عديدة داخل ثقافته، لولا النكبة الفلسطينة ومالآتها لإستطاع الفلسطنيي أن يطورّ من ذاتييته ويصل إلى مصاف الدول الإكثر قدرةّ على بلورة مفاهيم وقيم ثقافية تكون أكثر قدرة على إبراز جمالية واقعه ومجتمعه، فالأدب والثقافة هما رسالتا الشعب وتعبيراً عن نهضته وتقدمه في كافة المجالات وليس مجال واحد.