تركيا .. والنظام العالمي الجديد

, 353
Advertisements

خلال الفترة الأخيرة تردد هذا المصطلح “النظام العالمي الجديد” أكثر من مرة على لسان أعلى منصب حكومي في تركيا الرئيس رجب طيب أردوغان، ففي كلمةٍ له نقلتها وكالة الأناضول الرسمية بتاريخ 26 آذار الفائت قال: ” العالم عقب هذا الوباء يتجه نحو مرحلة لن يكون فيها أي شيء كما كان من قبل، وسنشهد بناء نظامٍ عالمي جديد على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وتركيا تدخل هذه المرحلة الجديدة بمزايا كبيرة وبنية تحتية قوية “.

أعاد الرئيس أردوغان تكرار المصطح ذاته، ولكن هذه المرة مع الإشارة  لدورٍ ما لتركيا، حيث أكد في كلمة ألقاها بتاريخ  20 نيسان الحالي خلال مشاركته في افتتاح مدينة باشاك شهير الطبية بالشطر الأوروبي لمدينة اسطنبول، قائلاً: “سنرتقي بتركيا إلى مكانة مرموقة في النظام العالمي الجديد” ، “سنرتقي ببلدنا في الفترة المقبلة بإذن الله، من خلال الاستثمارات والأعمال والخدمات الجديدة” ، وأكد أن حكومته تسعى لتحقيق الأهداف المنشودة لعام 2023، وترك ميراث قوي للجيل المقبل.

بمعزلٍ عن ما إذا كان يمكن أن نطلق على عالم ما بعد كورنا مصطلح “نظام عالمي جديد”، هذا المصطلح بما يحويه من قطيعة تامة بين السابق واللاحق، إلا أنه لا يمكن لأحد ان ينكر أن تغييراً ما قادماً على الصعيد الدولي.

دولٌ تصدّرت ساحة القرار الدولي منذ انتهاء الحرب العالمية الأخيرة، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا و المملكة المتحدة، باتت اليوم تحت تهديد انهيار اقتصادي مُرتقب، نظام صحي لم يعد قادراً على سد حاجة  الأعداد المفاجئة من المرضى، ملايين العاطلين عن العمل، إضافةً لظهور النزعات القومية التي قد تهدّد بتغيير الأنظمة السياسية في هذه البلدان.
في حين نجد دولاً أخرى كالصين بدأت بالتعافي تدريجياً، وعادت فيها عجلة الإنتاج للدوران مما يضعها في وضع سياسي واقتصادي أفضل.

إذاً نحن أمام ما يمكن أن نسميه إعادة توزيع الأدوار عالمياً، دولٌ انتهى دورها ودولُ ستتصدر المشهد، لن يمر ذلك بسلاسة  بالتأكيد .. لكنه سيتم.

رؤية 2023 .. إعادة تشكيل المنطقة:

بالعودة إلى تركيا، يبدو أن الحكومة التركية متنبّهة لهذه التغييرات .. لم يكن هذا الانتباه جديداً بالتأكيد، وإنما نلحظه من توسّع دور تركيا إقليمياً منذ بداية القرن الحالي، وتحديداً مع مطلع العقد الحالي الذي رافق اندلاع ثورات الربيع العربي.

هذه الثورات والثورات المضادة وما أعقبها من صراع داخلي خلق فراغاً سياسياً في المنطقة تحتّم على تركيا سده كلاعب إقليمي وإلا سيرتد عليها حتماً. فالدول المحيطة بتركيا، كالعراق وسوريا ولبنان وليبيا باتت ساحات لتصفية حسابات دولية، وباتت لا تملك قراراً سياسياً مستقلاً بالمعنى الحقيقي.

Advertisements
Advertisements

لنعود لبداية القرن مع ظهور حزب العدالة والتمنية وطرح الرئيس أردوغان لرؤية تركيا 2023، هذه الرؤية ليست رؤية اقتصادية فقط، وإنما رؤية لإعادة تشكيل المنطقة، في هذا العام يكون قد مر 100 عام على اتفاقية لوزان التي حرمت تركيا من الكثير من حقوقها السيادية، لذا كان من الضروري اختيار هذا العام مع ما فيه من رمزية تقول “أن ما مضى قد مضى”.

هذه الرؤية تطمح أن تجعل تركيا بحلول عام 2023 أحد أقوى 10 اقتصادات في العالم، أن يتمكن المواطن التركي من دخول 197 دولة بدون تأشيرة دخول، أن يصبح معدل دخل الفرد 30.000 دولار أمريكي سنوياً، أن يبلغ حجم الصادرات التركية 500 مليار دولار أمريكي سنوياً، بالإضافة إلى أن تتمكن تركيا من تصنيع الطائرات والأقمار الصناعية.

وتحقيقاً لهذه الرؤية أنجزت تركيا خلال الأعوام الماضية نهضةً على مختلف المستويات ، ربما ليس آخرها تطوير القطاع الصحي وبناء المشافي الضخمة التي تستوعب الأعداد الكبيرة من المرضى، هذا القطاع تحديداً أثبت نجاحه بشكل جليّ خلال أزمة مكافحة انتشار فايروس كورونا، حيث تُظهر الإحصائيات الرسمية انخفاضاً ملحوظاً بأعداد الإصابات والوفيات في تركيا خلال الأيام خلال الأسبوع الفائت، وتماسكاً لافتاً – على عكس كثير من الدول المتقدمة- للنظام الصحي في تركيا.

من المستفيد الأكبر ؟!

الأزمة الحالية التي تعصف بأسواق النفط قلبت الطاولة، لم يعد النفط الذهب الأسود، الدول التي يعتمد اقتصادها بكلّيته على النفط ستتضرر وباتت مهددة، هذا يدفعنا للمقارنة بين الدول الإقليمية الفاعلة، فدولٌ كالمملكة العربية السعودية وإيران تمرّ بمرحلةٍ حرجة جداً إذا استمرت هذه الأزمة الخانقة، وهذا ما قد يؤدي إلى انحسار دورها الإقليمي فاتحاً المجال لدول أخرى لسد الفراغ كتركيا ومصر.

انشغال الدول “العظمى” بحربها ضد فايروس كورونا، واتجاهها لحل أزماتها الداخلية الناتجة عنه سيدفعها إلى الانسحاب تدريجياً من ساحات الصراع الدولية، تاركةً فراغاً أمنياً أو اقتصادياً يمكن لمن استطاع استغلال هذه الفرصة أن يسدَّه.

كل هذه التغيرات العالمية تبدو فرصةً ذهبية لدولة كتركيا لتحقيق رؤيتها، و يبدو أن تركيا ومن خلال تصريحات رئيسها تعي هذه التغييرات الحالصة وتستعد للعب دور كبير على الساحة العالمية وليس الإقليمية فقط.

0 0 vote
Article Rating
20

Advertisements
Advertisements

, , ,
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

التصنيفات