“إن تراكم الثروة في قطب واحد من المجتمع هو في نفس الوقت تراكم الفقر والبؤس في القطب الآخر”
أغلب ثورات العالم قامت وانتصرت على أكتاف اليد العاملة والطبقة الكادحة، والعديد من رؤوس الأموال تكاثرت وتكدست بجهود وتعب هذه الطبقة لصالح أصحاب هذه الامبراطوريات المالية المخيفة، الجميع يعلم بأن التطور التقني والتكنولوجي مهما نمى وتتطور لا غنى عن العامل ومهاراته حتى ولو سعت هذه التقنيات من التقليل من أعداد هذه الطبقة، فمنذ بداية الثورة الصناعية عام 1784 مع اختراع الألة البخارية وحتى اندلاع الثورة العمالية في روسيا عام 1917 وتعاني هذه الطبقة من استغلال حقوقها والنهوض على أكتافها فمع انتشار النهضة الصناعية في أوربا والعالم وفي ظل تحقيق الكثير من المكاسب كان في الوقت ذاته يتعرض العامل للاستغلال الى ابعد الحدود فكل هذا أدى الى صدامات كثيرة مع العمال وبين الحكومات من جهة وأصحاب الشركات والمعامل من جهة أخرى وظلت هذه الطبقة الحلقة الأضعف في مختلف مراجل هذه الأحداث.
مع نجاح الثورة العمالية في روسيا وبما يخص جانب العمل واليد العاملة فقد حققت لهم الثورة بعض المحاسب كتحسين الأجور وساعات العمل التي لم تكن كافية ولم تغني عن استغلالهم على مستوى باقي الدول لذلك ظلت محاولات هذه الطبقة للمطالبة بحقوقها وتحسين ظروف عملها وخلال القرنين التاسع عشر والعشرين استجابت أغلب دول العالم للكثير من المطالب إضافة الى تأسيس اتحادات ونقابات عمالية وفرض قوانين تحمي العمال وتنظم عقود وشروط وظروف العمل وتخفيف حدة ضغوط العمل وأرباب العمل عليهم.
ومع استمرار ازمة انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم ولأنها الحلقة الأضعف بدأت معاناة هذه الطبقة بالظهور مرة أخرى على الرغم من المحاولات العديدة للحد من تفشي أزمة العمالة الى جانب الأزمات الأخرى التي تولدت عن هذا الوباء الذي لم يعد يعتبر مجرد أزمة صحية فحسب بل أزمة اقتصادية وعملية سيكون لها الكثير من الآثار السلبية وبناء على ذلك ورغم دعوة منظمة العمل الدولية بضرورة تبني سياسة واسعة النطاق للتخفيف من أثر الوباء كدعم الشركات والوظائف والدخل، وتحفيز الاقتصاد وفرص العمل، وحماية العاملين في مكان العمل، واعتماد الحوار الاجتماعي بين الحكومة والعمال وأصحاب العمل لإيجاد الحلو ورغم محاولات العديد من الدول والشركات باتخاذ تدابير غير مسبوقة لتقليل آثار الأزمة إلا أن تأثر وتضرر هذه الطبقة يبقى الأكثر أثراً ولو لم يكن الأكبر مقارنة مع أضرار الدول او الشركات وقد يودي بحياة هذه الطبقة في ظل انحياز العدالة إلى جانب القوة وأصحاب النفوذ.
والسؤال الأهم: هل ستكفي الإجراءات والتدابير التي قامت بها الدول والتي نصت عليها قوانين العمل في فك الحصار الذي بدأ يتعرض له العامل من قبل الفقر والبطالة والمرض وغلاء الأسعار واستغلال أصحاب العمل للظروف الاقتصادية التي يتعرض لها العالم للتخلص من العمال كأولى ضحايا الأزمة وحرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد فهل مبرر الأزمة سيقضي على ما تبقى من العدالة تجاه العمال الذي ضمنته بعض الحكومات وبعض القوانين؟
سؤال قامت العديد من الدول والحكومات بالانتباه إليه والعمل على اتخاذ ما يمكن لتحقق العدالة العمالية محافظة على حق أصحاب العمل وضمان المساواة وعدم ترجيح كفة على حساب كفة أخرى، ومن بين هذه الدول كانت تركيا السبّاقة الى اتخاذ تدابير متعددة وإصدار قرارات تسعى لتحقق نوعاً من العدالة للعامل الذي على وشك السقوط في هاوية الأزمة.
الإجراءات والتدابير المتخذة من قبل الحكومة التركية ضمن سياق حماية العمل واليد العاملة:
أن قانون العمل التركي يتضمن وقبل انتشار ازمة كورونا العديد من الضمانات والتدابير لصالح العامل لحماية استمراره الوظيفي ولضمان امنه الصحي ومستقبله التقاعدي وحماية له من الإجراءات التعسفية التي قد يتعرض لها خلال عمله وخلال فترة البحث عن عمل أخر ومن أهم هذه الإجراءات والتدابير المضمونة بقوة القانون لصالح العامل:
- فرض إجراءات الأمن الصناعي بموجب قانون الصحة والسلامة المهنية ذات الرقم 6331
- منع الفصل التعسفي للعامل من عمله إلا بموجب أسباب نصت عليها المادة 25 من قانون العمل التركي رقم 4857.
- حق العامل في الراتب التقاعدي او تعويض نهاية العمل
- حق العامل في تعويض القِدم او تعويض الأخبار
- حق العامل في الحصول على راتب البطالة في حال فصله من العمل
- حق العامل في المطالبة بالاحتفاظ بعمله بعد مرور فترة من العمل
أما بعد ظهور الأزمة قامت الحكومة التركية بإقرار مايلي:
- بدل العمل قصير الأجل KISA ÇALIŞMA ÖDENEĞİ الذي يُمنح العامل بموجبه 60% من الراتب من قبل الحكومة ممثلة بمؤسسة التأمينات الاجتماعية لمدة ثلاثة أشهر للعامل الذي توقف عن عمله بسبب الأزمة.
- بدل الإجازات الغير مأجورة: العامل الحاصل على إجازة غير مأجورة من عمله يحصل على بدل نقدي يعادل 29.24 ليرة عن كل يوم أو 1170 ليرة تركية عن كامل شهر.
- قرار الحكومة بمنع فصل العامل من عمله اعتباراً من 17/4/2020 ولمدة ثلاثة أشهر ويحق لرئيس الجمهورية تمديد هذا المنع لثلاثة أشهر أخرى.
وبالعودة الى سؤالنا الأول هل كل هذه الإجراءات والتدابير سواء من قبل الحكومة التركية أو أي دولة أخرى ستساهم في حماية هذا العامل من المخاطر التي تهدده في ظل هذه الأزمة وهل يا ترى ما تُقدمه الحُكومات لهذا العامل كافيةٌ بالأساس لمنع وقوعه في الخَطَرِ المعيشي، وما هي نِسبة العمالة التي يمكن أن تُطبق عليها هذا الدعم الحكومي والتدابير المتخذة لصالحه مع انتشار العمالة الغير القانونية بالأساس وما مدى تحقق العدالة العمالية المنشودة؟
إذاً ستبقى هذه الطبقة الحلقة الأضعف التي كانت تستهلك قدراتها ومهاراته وشبابها وافكارها وكل ما تملك مقابل أجر أو معاشٍ يجعلها تابعاً طوال حياتها لصاحب الأجر وتجعل هذا العامل يرسم مستقبلاً لن يناله ولن يصل اليه بعدد الساعات المتبقية له بعد ساعات عمله الطويلة واستنزاف طاقاته التي تمنعه في كثير من الأوقات في التفكير بنفسه، كل ذلك بضمانة قوانين العمل ولجان التفتيش الحكومية ونقابات العمال التي لم يبقى فيها إلا أصحاب العمل إضافة إلى وعود أصحاب العمل بمستقبل زاهر للعامل وأهله ولأولاده ليكونوا عمالاً مخلصين تنهض على اكتافهم ثروات أصحاب العمل وتؤسس على أسمائهم النقابات والاتحادات والمنظمات وتنتصر ثورات وتنهض دول ليتغير كل شيء ويبقى العامل عاملاً يسعى لابتسامة من صاحب عمله او يسعى لكلمة شكر واحدة.